إني أريد تبريرك
أُلقي القبض على عماد بتهمة سرقة ساعة يد، وتوافرت الأدلة على أنه هو السارق، لأنها وُجدت في حوزته، ومع ذلك ظلّ يردِّد: أنا لم أسرقها بل اشتريتها. لكنّ القاضي أمره بالصمت، وعندئذٍ تقدّم ضابط أراد أن يُدلي بشهادته أمام القاضي، وقال: أريد أن أقدّم دليلاً يجلو القضية أمام المحكمة ويكشف الحقيقة. وما أن سمع عماد هذا حتى اتجه إلى هذا الضابط غاضباً ظاناً أنه سوف يُدينه، وصرخ في هياجٍ: لا تصغوا إليه، لا تصدّقوه، إنه لا يعرف شيئاً، إنه يتكلّم بأكاذيب، إنه يريد إدانتي على أيّ حال.
أما ذلك الضابط فقد حاول عبثاً أن يحمل عماد على الصمت والإصغاء دون جدوى، لأنه كان يظن أنّ ضابط الشرطة حتماً سيكون ضدّه لا معه، وأخيراً تدخّل رئيس المحكمة وأمر عماد بالصمت، وطلب من الضابط أن يدلي بمعلوماته. فقال: منذ بضعة أسابيع كنت في نوبة عملي أحرس مسجونَين في طريقهما إلى السِّجن، وكانا يسردان بعض الحوادث أحدهما للآخر كما هي العادة، فسمعتُ أحدهما يقول للآخر: لقد ضحكت على عماد في يومٍ ما. فسأله السجين الآخر: وكيف كان ذلك؟ فأجابه: لقد بِعته ساعة يد كنتُ قد سرقتها بثلاثة أضعاف ثمنها الحقيقي. وهنا تبدَّلت وجوه الحاضرين في قاعة المحكمة، وبدا على عماد كأنه يريد تقبيل ذلك الضابط، وبرَّأت المحكمة ساحته بسبب هذه الشهادة لصالحه.
إنّ بعض الخطاة يهربون من الله ويبغضونه ولا يريدون سماع كلامه، لأنهم يظنون أنه يريد محاكمتهم على خطاياهم وإدانتهم فقط، ولو أنهم أصغوا لكلامه لعلموا أنه يريد تبريرهم وإنقاذهم من الذهاب إلى السجن الأبدي.
إنّ من يلجأ إلى الاحتماء ببره الذاتي هو كمن يطلب أن يستظلّ من أشعة الشمس بظله هو، فكلما اقترب ليختبئ تحت ظلّه يراه وقد انكمش تحته، إنه يحتاج بالأحرى إلى ظلِّ صخرة عظيمة أو شجرة وارفة الظلال. وهكذا نحن عندما تشتدّ علينا نيران أشعة العدالة الإلهية بسبب خطايانا، لن يجدينا نفعاً، ولن يمنحنا ظلاّ أو حماية، إلاّ أن نلتجئ إلى الله صخر الدهور، ففيه الحمى والظل الظليل.